الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر عمارة البيت الحرام بمكة: وقيل: أرسل الله مثل الغمامة له رأس فكلّمه وقال: يا إبراهيم ابن على ظلّي أو على قدري لا تزدْ ولا تنقص، فبنى، وهذان القولان نُقِلا عن عليّ، وقال السّدّيّ: الذي دلّه على موضع البيت جبرائيل. فسار إبراهيم إلى مكّة، فلمّا وصلها وجد إسماعيل يصلح نبلاً له وراء زمزم، فقال له: يا إسماعيل إنّ الله قد أمرني أن أبني له بيتاً، قال إسماعيل: فأطع ربّك، فقال ابراهيم: قد أمرك أن تعينني على بنائه، قال: إذن أفعل، قال فقام معه فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة، ثمّ قال إبراهيم لإسماعيل: إيتني بحجر حسن أضعه على الركن فيكون للناس علماً، فناداه أبو قبيس: إنّ لك عندي وديعة، وقيل: بل جبرائيل أخبره بالحجر الأسود، فأخذه ووضعه موضعه، وكانا كلّما بنيا دعوا الله: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} البقرة: 2: 127. فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر، وهو مقام إبراهيم، فجعل يناوله، فلمّا فرغ من بناء البيت أمره الله أن يؤذّن في الناس بالحج، فقال إبراهيم: يا ربّ وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّنْ وعليّ البلاغ، فنادى: أيها الناس إنّ الله قد كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض وما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن ممن سبق فيعلم الله أن يحج إلى يوم القيامة، فأجيب: لبيّك لبيك ثم خرج بإسماعيل معه إلى التروية فنزل به منىً ومن معه من المسلمين فصلّى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثمّ بات حتى أصبح فصلّى بهم الفجر، ثمّ سار إلى عرفة فأقام بهم هناك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين الظهر والعصر ثمّ راح بهم إلى الموقف من عرفة الذي يقف عليه الإمام، فوقف به على الأراك، فلما غربت الشمس دفع به ون معه حتى أتى المزدلفة فجمع بها الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة، ثمّ بات بها ومن معه حتى إذا طلع الفجرُ صلّى الغداة ثمّ وقف على قزح حتى إذا أسفر دفع به وبمن معه يريه ويعلمه كيف يصنع حتى رمى الجمرة وأراه المنحر ثمّ نحر وحلق وأراه كيف يوطف ثمّ عاد به إلى منىً ليريه كيف رميُ الجمار حتى فرغ من الحجّ. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن جبرائيل هو الذي أرى إبراهيم كيف يحجّ، ورواه عنه ابن عمر، ولم يزل البيت على ماب ناه إبراهيم، عليه السلام، إلى أن هدمته قريش سنة خمس وثلاثين من مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، على ما نذكره إن شاء الله تعالى. .ذكر قصة الذبح: وأما الحديث الآخر في أن الذبيح إسماعيل فقد روى الصنابحي قال: كنّا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح فقال: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله عُد عليَّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فضحك، صلى الله عليه وسلم، فقيل لمعاوية: وا الذبيحان؟ فقال: إنّ عبد المطلب نذر إن سهّل الله حفر زمزم أن يذبح أحد أولاده، فخرج السهم على عبد الله أبي النبي، صلى الله عليه سلم، ففداه بمائة بعير، وسنذكره إن شاء الله، والذبيح الثاني إسماعيل. .ذكر من قال إنه إسحاق: أسيد بفتح الهمزة، وكسر السين، وجارية بالجيم. .ذكر من قال أن الذبيح إسماعيل عليه السلام: .ذكر السبب الذي من أجله أُمر إبراهيم بالذبح وصفة الذبح: قال محمّد بن اسحاق: إنّ إبراهيم قال لابنه حين أمر بذبحه: يا بني خذ الحبل والمدية ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب لأهلك، فلمّا توجه اعترضه إبليس ليصدّه عن ذلك، فقال: إليك عني يا عدوّ الله فو الله لأمضينّ لأمر الله فاعترض إسماعيل فأعلمه ما يريد إبراهيم يصنع به، فقال: سمعاً لأمر ربيّ وطاعة، فذهب إلى هاجر فأعلمها، فقالت: إن كان ربّه أمره بذلك فتسليماً لأمر الله، فرجع بغيظه لم يصبْ منهم شيئاً. فلمّا خلا إبراهيم بالشعب، وهو شعب ثبير، قال له: {يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} الصافات: 37: 102، ثم قال له: يا أبتِ إن أردت ذبحي فاشدد رباطي لا يصبك من دمي شيء فينتقص أجري، فإنّ الموت شديد، واشحذ شفرتك حتى تريحني، فإذا أضجعتني فكبّني على وجهي فإني أخشى إن نظرت في وجهي أنّك تدركك رحمةٌ فتحول بينك وبين أمر الله، وإن رأيت أن تردّ قميصي إلى هاجر أمّي فعسى أن يكون أسلى لها عني، فافعل، فقال ابراهيم: نعم المعين أنت، أي بني، على أمر الله فربطه كما أمره ثم حدّ شفرته {وتلّه للجبين} ثم ادخل الشفرة لخلقه، فقلبها الله لقفاها ثمّ اجتذبها إليه ليفرغ منه، فنودي: {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} الصافات: 37: 104، هذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها. وقيل: جعل الله على خلقه صحيفة نحاس، قال ابن عباس: خرج عليه كبش من الجنة قد رعى فيها أربعين خريفاً، وقيل: هو الكبش الذي قرّبه هابيل، وقال عليّ، عليه السلام: كان كبشاً أقرن أعين أبيض، وقال الحسن: ما فُدي إسماعيل إلاّ بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير فذبحه، قيل: بالمقام، وقيل: بمنىً في المنحر. .ذكر ما امتحن الله به إبراهيم عليه السلام: قال ابن عباس من رواية طاووس وغيره عنه: الكلمات عشر، وهي خمس في الرأس: قصّ الارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وخمس في الجسد، وهي: تقليم الأظفار وحلق العانة والحيتان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط، وقال آخرون: هي مناسك الحج، وقوله تعالى: {إني جاعلك للناس إماماً} البقرة: 2: 124 وهو قول أبي صالح ومجاهد، وقال آخرون: هي ستّ، وهي: الكواكب والقمر والشمس والنار والهجرة والختان. وذبح ابنه، وهو قول الحسن، قال: ابتلاه بذلك فعرف أنّ ربّه دائم لا يزول فوجّه وجهه للذي فطر السموات والأرض وهاجر من وطنه وأراد ذبح ابنه وختن نفسه، وقيل غير ذلك ممّا لا حاجة إليه في التاريخ المختصر، وإنما ذكرنا هذا القدر لئلا يخلو من فصول الكتاب. .ذكر عدو الله نمرود وهلاكه: فلمّا رأى أنه لا يطيق شيئاً أخذ في بنيان الصرخ فبناه حتى علا وارتقى فوقه ينظر إلى إله إبراهيم بزعمه وأحدث، ولم يكن يحدث، وأخذ الله بنيانهم من القواعد من أساس الصرخ فسقط وتبلبلت الألسن يومئذ من الفزع، فتكلّموا بثلاثة وسبعين لساناً، وكان لسان الناس قبل ذلك سُريانياً. هكذا روي أنه لم يحدث، وهذا ليس بشيء، فإن الطبع البشريّ لم يخل منه إنسان حتى الأنبياء، صلوات الله عليهم، وهم أكثر اتصالاً بالعالم العلويّ وأشرف أنفساً، ومع هذا فيأكلون ويشربون ويبولون ويتغوّطون، فلو نجا منه أحد لكان الأنبياء أولى لشرفهم وقربهم من الله تعالى، وإن كان لكثرة ملكه فالصحيح أنه لم يملك مستقلاً، ولو ملك مستقلاً لكان الإسكندر أكثر ملكاً منه ومع هذا فلم يقل فيه شيء من هذا. قال زيد بن أسلم: إن الله تعالى بعث إلى نمرود بعد إبراهيم ملكاً يعدوه إلى الله أربع مرات فأبى وقال: أربّ غيري؟ فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع جموعه، ففتح الله عليه باباً من البعوض، فطلعت الشمس فلم يروهامن كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلتهم ولم يبق منهم إلا العظام والملك كما هو لم يصبه شيء، فأرسل الله عليه بعوضةً فدخلت في منخره فمكث يضرب رأسه بالمطارق فأرحم الناس به من يمع يديه ويضرب بهما رأسه، وكان ملكه ذلك أربعمائة سنة، وأماته الله تعالى، وهو الذي بنى الصرح. وقال جماعة: إن نمرود بن كنعان ملك مشرق الأرض ومغربها، وهذا قول يدفعه أهل العلم بالسير وأخبار الملوك، وذلك أنهم لا ينكرون أن مولد إبراهيم كان أيام الضحّاك الذي ذكرنا بعض أخباره فيما مضى، وأنه كان ملك شرق الأرض وغربها، وقول القائل إنّ الضحّاك الذي ملك الأرض هو نمرود ليس بصحيح، لأن أهل العلم المتقدّمين يذكرون أنّ نسب نمرود في النّبط معروف، ونسب الضحّاك في الفرس مشهور، وإنما الضحّاك استعمل نمرود على السواد وما اتصل به يمنة ويسرة وجعله وولده عمّالاً على ذلك، وكان هو ينتقل في البلاد، وكان وطنه ووطن أجداده دنباوند من جبال طبرستان، وهناك رمى به أفريدون حين ظفر به، وكذلك بخت نصّر. ذكر بعضهم أنه ملك الأرض جميعها، وليس كذلك، وإنما كان اصبهبذ ما بين الأهواز إلى أرض الروم من غربيّ دجلة من قبل لُهراسب، لأنّ لهراسب كان مشتغلاً بقتال الترك مقيماً بإزائهم ببلخ، وهو بناها لما تطاول مقامه هناك لحرب الترك، ولم يملك أحد من النبط شبراً من الأرض مستقلاً برأسه، فكيف الأرض جميعها وإنما تطاولت مدّة نمرود بالسواد أربعمائة سنة ثمّ دخل من نسله بعد هلاكه جيل يقال له نبط بن قعود ملك بعده مائة سنة، ثمّ كداوص بن نبط ثمانين سنة، ثم بالش بن كداوص مائة وعشرين سنة، ثمّ نمرود بن بالش سنة وشهراً، فذلك سبع مائة سنة وسنة، وشهد أيام الضحّاك، وظنّ الناس في نمرود ما ذكرناه، فلمّا ملك أفريدون وقهر لازدهاق قتل نمرود بن بالش وشرد النبط وقتل فيهم مقتلةً عظيمة. .ذكر قصة لوط وقومه: فلمّا نزلوا على إبراهيم، وكان الضيف قد أبطأ عنه خمسة عشر يوماً حتى شقّ ذلك عليه، وكان يضيف من نزل به، وقد وسّع الله عليه الرزق، فرح بهم ورأى ضيفاً لم ير مثلهم حسناً وجمالاً، فقال: لا يخدم هؤلاء القوم أحد إلاّ أنا بيدي، فخرج إلى أهله فجاء بعجل سمين قد حنّذه، أي أنضجه، فقرّبه إليهم، فأمسكوا أيديهم عنه، {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوطٍ وامرأته- سارة- قائمة فضحكت- لما عرفت من أمر الله ولما تعلم من قوم لوط- فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} فقالت، وصكّت وجهها: {أألد وأنا عجوز} إلى قوله: {حميد مجيد} وكانت ابنة تسعين سنة وإبراهيم ابن عشرين ومائة. فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى ذهب يجادل جبرائيل في قوم لوط، فقال له: أرأيت إن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: وإن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: وإن كان فيهم خمسون من المسلمين لم يعذّبهم؟ قال: وأربعون، قالوا: وأربعون؟ قال: وثلاثون، حتى بلغ عشرة، قالوا: وإن كان فيهم عشرة؟ قال: ما قم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير ثم قال: {إنّ فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينّه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين}. ثمّ مضت الملائكة نحو سدوم قرية لوط، فلمّا انتهوا إليها لقوا لوطاً في أرض له يعمل فيها، وقد قال الله تعالى لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فأتوه فقالوا: إنّا متضيفوك اللّيلة، فانطلق بهم، فلّما مشى ساعة التفت إليهم فقال لهم: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض إنساناً أخبث منهم، حتى قال ذلك أربع مرّات. وقيل: بل لقوا ابنته فقالوا: يا جارية هل من منزل؟ قالت: نعم، مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، خافت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت أصبح وجوهاً منهم لئلا يأخذهم قومك فيفضحوهم، وكان قومه قد نهوه أن يضيف رجلاً، فجاء بهم فلم يعلم إلاّ أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها وقالت لهم: قد نزل بنا قوم ما رأيت أحسن وجوهاً منهم ولا أطيب رائحة، فجاءه قومه يهرعون إليه، فقال: يا قوم {اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} فنهاهم ورغبّهم وقال: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} مما تريدون، {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} هود: 11: 79 {أولم ننهك عن العالمين} الحجر: 15: 70، فلما لم يقبلوا منه {قال لو أنّ لي بكم قوّة أو اوي إلى ركن شديد} هود: 11: 80 يعني لو أنّ لي أنصاراً أو عشيرة يمنعوني منكم، فلمّا قال ذلك وجد عليه الرسل فقالوا: إنّ ركنك لشديد ولم يبعث الله نبياً إلا في ثروة من قومه ومنعة من عشيرته، وأغلق لوط الباب، فعالجوه، وفتح لوط الباب، فدخلوا، واستأذن جبرائيل ربّه في عقوبتهم فأذن له فبسط جناحه ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم بعضاً عمياناً يقولون: النجاء النجاء فنّ في بيت لوط أسحر قوم في الأرض وقالوا للوط: {إنا رسل ربّك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} هود: 11: 81 {واتبع أدبارهم وامضوا حيث تؤمرون} الحجر: 15: 65. فأخرجهم الله إلى الشام وقال لوط: أهلكوهم الساعة؛ فقالوا: لن نؤمر إلاّ بالصبح، {أليس الصبح بقريب} هود: 11: 81، فملا كان الصبح أدخل جبرائيل، وقيل ميكائيل، جناحه في أرضهم وقراهم الخمس فرفعها حتى سمع أهل المساء صياح ديكتهم ونباح كلابهم، ثمّ قلبها فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل فأهلكت من لم يكن بالقرى، وسمعت امرأة لوط الهدّة فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها، ونجّى الله لوطاً وأهله إلاّ امرأته، وذكر أنه كان فيها أربعمائة ألف، وكان إبراهيم يتشرّف عليها ويقول: سدوم يوماً هالك، ومدائن قوم لوط خمس: سدوم وصبعة وعمرة ودوما وصعوة، وسدوم هي القرية العظمى. قوله يهرعون إليه، هو مشيٌ بين الهرولة والجمز. .ذكر وفاة سارة زوج إبراهيم عليه السلام وذكر أولاده وأزواجه: فلمّا ماتت سارة تزوج بعدها قطوراً ابنة يقطن امرأة من الكنعانيين فولدت له ستّة نفر: نفشان ومران ومديان ومدن ونشق وسرح، وكان جميع أولاد إبراهيم مع إسماعيل واسحاق ثمانية نفر، وكان إسماعيل بكره؛ وقيل في عدد أولاده غير ذلك، فالبربر من ولد نفشان، وأهل مدين قوم شعيب من ولد مديان. وقيل: تزوج بعد قطورا امرأة اخرى اسمها حجون ابنة اهير. .ذكر وفاة إبراهيم وعدد ما أنزل عليه: وقيل مائة وخمس وسبعين سنة، وهذا عندي فيه نظر لأن إبراهيم لا يخلو أن يكون قد رأى من هو أكبر منه بسنتين أو أكثر من ذلك، فإنّ من عاش مائتي سنة كيف لا يرى من هو أكبر منه بهذا القدر القريب؟ ولكن هكذا روي، ثمّ إنه قد بلغه عمر نوح ولم يصبه شيء مما رأى بذلك الرجل. وروى أبو ذرّ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: وأنزل الله على إبراهيم عشر صحائف، قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف ابراهيم؟ قال: كانت أمثالاً كلّها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر. وكان فيها أمثال، منها: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يفكر فيها في صنع الله، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا في ثلاث: تزوده لمعاده ومرَّمة لمعاشه ولذّة في غير محرّم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بأمانه، مقبلاً على شانه، حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه. وهو أوّل من اختتن، وأوّل من أضاف الضيف، وأوّل من اتخذ السراويل، إلى غير ذلك من الأقاويل. .ذكر خبر ولد إسماعيل بن إبراهيم:
|